ناصر العبدلي: كرامة أمير

حتى الآن لم أجد مبررا لما فعلته ما تسمى بالأغلبية البرلمانية عندما أرسل سمو أمير البلاد مستشارين في الديوان الأميري لها لتأجيل اعتصام كان مقررا في ساحة الإرادة لما بعد انتهاء فعاليات اقتصادية عالمية تقام في الكويت في تلك الفترة ويحضرها قادة دول صديقة وشقيقة، وخاصة أن القضية لن يؤثر في مسارها فترة يومين أو ثلاثة.
ما يهم في تلك الخطوة، رغم أنها ليست من الحصافة في شيء إلا أنها كشفت عن مؤشر طالما حذرنا منه في العمل البرلماني والسياسي وهي «شخصنة» القضايا السياسية وتحويلها من خانة التجاذب العقلي المفترض إلى خانة التجاذب العاطفي، وهو أمر يخل بالعمل السياسي ويصيبه في مقتل وربما تترتب عليه كوارث.
هناك دستور ينظم الحياة السياسية في البلاد، وقد ارتضينا ذلك الدستور كمرجع لتحركاتنا السياسية والبرلمانية، والخروج عن هذا الدستور هو خروج عن الشرعية السياسية، وخاصة أن ذلك الدستور نظم عملية الخلاف في وجهات النظر وأوجد مخارج يمكن اللجوء لها عند مواجهة مثل ذلك الخلاف في العمل اليومي.
الالتزام بالدستور وآلياته جنبنا الكثير من المطبات وما علينا سوى مراجعة السنوات الماضية حتى نعرف أن وجوده أبقى على علاقات حميمة بين طبقات المجتمع من ناحية ومكونات المجتمع من ناحية أخرى، وكان هو الحل الوسط لجميع مشاكلنا دون أن تصطدم تلك الطبقات أو تلك المكونات رغم سخونة التحريض الطائفي والمناطقي والقبلي.
في السياسة ليس هناك ما تحب أو تكره، بل هناك وقائع على الأرض يجب التعامل معها عن طريق الآليات الدستورية المنظمة للعمل السياسي وليس من خارجها لأن الخروج على تلك الآليات إلى فضاءات أخرى غامضة يعني إعطاء الشرعية لكل الأطراف في الساحة السياسية بالخروج هي الأخرى، ما يعني دخول البلاد في فوضى عارمة.
هناك آليتان لمواجهة الحالة الراهنة إذا كانت تتعلق بالآلية المستخدمة في تخفيض عدد الأصوات، هما اللجوء إلى المحكمة الدستورية أو مجلس الأمة المقبل، وهما آليتان دستوريتان شرعيتان وغيرهما ليس سوى خروج عن الإطار الدستوري ولا ينفع معه طرح أي مبررات ليست في محلها، فموقفي من قضية لا يبرر استخدام آليات غير دستورية لحلها.
ما يرشح بين الحين والآخر عن مضمون لقاءات ما تسمى بالأغلبية البرلمانية يوحي بأن العاطفة هي المهيمنة على تلك اللقاءات وليس العقل، الأمر الذي يجعلنا نتخوف من التطورات المقبلة، ففيها من يقع تحت ضغط شديد نتيجة لأخطاء سابقة، وفيها من خسر كل شيء ولم يعد لديه ما يخسره، وفيها من ذاق طعم مرحلة ومازال طعمها يؤرق مضجعه.
ناصر العبدلي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.